الملك والعنكبوت

أو

الأمل والثبات

   كان في بلاد "اسكتلندا" القسم الشماليّ "لبريطانيا" أو "المملكة المتّحدة" ملك يسمّى "روبرت بروس" ويعيش في عصر لا نعيم ورخاء فيه إنّما همجيّة وخشونة تتطلّبان شجاعة وحكمة. فكان ذلك الملك في حرب لا هوادة فيها مع ملك الإنكليز، فأرسل إليه جيشًا لجبًا1 ليحاربه ويستولي على بلاده ويطرده من موطنه!

   وجرت بين الجيشين معارك حامية التقت في خلالها عساكر "بروس" عدوّه ستّ مرّاتٍ، وفي المرّات الستّ كافّة دارت عليها دائرة الهزيمة واندحرت جنوده اندحارًا شائنًا وولّوا الإدبار وتشتّتوا وتبعثروا في كلّ حدب وصوب، واضطرّ هو بنفسه أن يلجأ إلى غابات البلاد الموحشة وجبالها الوعرة الصعبة المسالك ليختبىء ويتوارى عن عيون عدوّه.

   وفي أحد أيّام الشتاء المطيرة، بينما كان مستلقيًا على الأرض في أحد الملاجىء، مصغيًا إلى اهتزام2 الأمطار وهي تتساقط على السطح، وقلبه متعب ونفسه مريضة وهو غارق في بحر التأمّلات والوساوس، وقد أوشك اليأس أن يستولي عليه ويلفّه القنوط ويفقد كلّ أمل في استعادة مجده وشرف بلاده وطرد عدوّه منها، حانت منه التفاتة إلى سماء الملجأ، فشاهد فوق رأسه عنكبوتًا تتأهّب لنسج بيتٍ من سداها3؛ أخذ الملك الشريد يراقبها ليرى كيف تحوك ذلك النسيج وتتحرّك ببطء وصبر واعتناء كلّيّ، وكيف جرّبت ستّ مرّات متوالية أن تنصب خيطها الدقيق لتصل طرفيه بجسرين في السقف متجاورين فلم تفلح في تجاربها الستّ.

فقال الملك عندئذ في نفسه: مسكين أنت أيّها الحيوان! إنّك  لتعرف أيضًا معنى الانكسار والسقوط كما عرفته أنا!

   لكن العنكبة لم تيأس ولم تقنط إذ استراحت قليلًا وأعدّت عدّتها بعناية فاقت عنايتها في المرّات الستّ السابقة، وتهيّأت للعمل والوثوب للمرّة السابعة، فانتصب "بروس" وكاد أن ينسى متاعبه ووساوسه، عندما رأى ذلك الحيوان الصغير الشجاع يتأرجح في جوّ البيت معلّقًا على خيط لا تكاد تبصره العين المجرّدة.

   إنّكم تتساءلون عمّا حلّ بتلك العنكبة وعمّا إذا كانت قد أفلحت في تجربتها الأخيرة أو فشلت فيها! إنّها حملت خيطها من الجسر الأوّل إلى الجسر الثاني حيث علّقت طرفه هناك، وعادت سالمة بعد أن نجحت في مهمّتها وللحال صرخ "بروس" قائلًا:

- إنّني أيضًا سأعيد الكرّة للمرّة السابعة مقتديًا بهذه العنكبة.

   ونهض من ساعته، بدون إبطاء ولمّ شعث رجاله وأوقفهم على نواياه وخططه وبعث بالمراسيل لشعبه البائس الحزين من جرّاء الانكسار مبشّرًا إيّاه بقرب النجاة والنصر بعد أن تألّب حوله جيش من الرجال البواسل. والتقى الجيشان للمرّة السابعة واندحر العدو، فآب ملك الإنكليز إلى بلاده يجرّ أذيال الخيبة والفشل.

   وقد زعموا أنّه بعد ذلك اليوم لم يعد أحد من الناس ممّن تسمّى باسم "بروس" يؤذي العناكب أبدًا، والأمثولة التي ألقاها ذلك المخلوق الصغير على الملك سوف تبقى في الأذهان خالدة لا تنسى.                                                                   

                           ترجمة  يوسف س. نويهض


- لجب: ارتفاع أصوات الأبطال- صوت العسكر، أي أنّه جيش قويّ  جدًّا.1

- اهتزام: صوت المطر المتواصل.2

- سداها: الخيوط الممتدّة طولًا.3